ظاهرة “شهادة الزور”..فساد للعدالة وضرب في مقتل لأحلام الضحايا

هنا الخبر

تشهد ظاهرة “شهود الزور” في مخافر الشرطة والمحاكم وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي تزايدا خلال السنوات الأخيرة، مع ارتفاع أعداد منعدمي الضمير الذين يدلون بشهاداتهم لفائدة آخرين في قضايا ينظر فيها القضاة، لقاء مبالغ مالية أو عائدات عينية او مصالح مشتركة.
ويكثر شهود االزو ، خصوصاً في القضايا التي تتعلق بالأحوال الشخصية والأسرية، من قبيل ملفات النفقة والهجر والضرر. كذلك نجدهم في قضايا تتعلّق بخصومة ما بين جيران أو نزاعات إدارية، بل ونجدهم بشكل أكبر في قضايا ملكيّة العقارات، إذ يلجأ بعض المتقاضين إلى خدمات هؤلاء، من أجل دعم حجتهم وملفهم وبالتالي الفوز بالقضية.
ويرى مراقبون أن شهود الزور يكثرون حيث يتفشى الجهل بين الناس وتكثر الأمية القانونية بين المتقاضين، ةتسود الرغبة في الانتقام من الآخرين، وبالتالي، لا مانع من اللجوء إلى شهود زور ينشرون الأباطيل، يقسمون أمام القاضي باطلاً للإدلاء بشهاداتهم التي ترجح كفّة طرف ضدّ آخر.
تغيب الإحصاءات الدقيقة الخاصة بعدد شهود الزور في المحاكم المغربية، إلا أن ثمّة بيانات تفيد أن 427 شخصا لوحقوا خلال عام 2012 بسبب شهادة زور وكذلك 374 شاهد زور في قضايا جنح مختلفة خلال عام 2013. يُذكر أنّ القانون المغربي يعاقب مرتكب جريمة شهادة الزور بالسجن لمدّة قد تصل إلى 10 سنوات.
في هذا السياق، أفادنا حقوقيون كيف أنهم تابعوا قضايا الاستحواذ على عقارات، أو التشويش على القضاء لإطالة أمد ملفات تورطت فيها شبكات ساندت عباقرة في مجال النصب والاحتيال لتحويل مشاريع سكنية إلى سراب، من خلال الاستعانة بأشخاص يحرفون الكلم عن مواقعه مقابل دريهمات أو مصالح مشتركة.
“قضاء الشارع”
تجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل سبق لها أن تنبهت إلى تفشي ظاهرة شهود الزور في المحاكم، فأمرت بنصب كاميرات مراقبة لتتبع ممتهني ومحترفي شهادة الزور في محاكم المملكة ولرصد تحركات الأشخاص المعتادين على دخول المحكمة والذين يشتبه بسلوكهم. لكنها أقرت أنه على الرغم من نصب كاميرات مراقبة لضبط تحركات شهود الزور الذين يترددون بكثرة على المحاكم لقاء عمولات مالية من المتقاضين، إلا أنّ الظاهرة لن تنتهي بجرة قلم. فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، والمواطن هو أول من يتوجب عليه رفض هذه الآفة السيئة.
ويعود حقوقيون تاصلت معهم بيان اليوم إلى التأكيد على أن”ظاهرة شهود الزور في المغرب من أسوأ مظاهر الفساد في تدبير العدالة بالبلاد. وهي تعرف انتعاشاً بين الفينة والأخرى، في ظل غياب الحزم في تعقب مرتكبيها ووجود مصالح فساد متقاطعة في هذا الشأن، يغذيها انتشار الأمية والجهل وغياب الوازع الأخلاقي “.
ويتابع الحقوقيون أن “بعض المدن المغربية بات الأكثر عرضة لمثل هذه الظواهر المرضية الخطيرة. فهناك، باتت شهادة الزور مهنة قائمة بذاتها، وأصبح ممتهنوها أكثر إتقانا لمهامهم اللاأخلاقية، باستعمال وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الأكاذيب والضغط على الضحايا للتخلي عن ملفاتهم، متمتعين بالحماية، بدليل أن كل الشكايات الموجهة ضدهم لا تجدي فتيلا.
سرقة الأحلام
ظاهرة شهادة الزور من طرف هذه العصابة باتت اليوم تتفشى أكثر في مجال الاستيلاء على أملاك الآخرين، لدرجة أنها أدت إلى غياب الثقة والخوف من الاستثمار في المجال العقاري. وأصبح المغاربة يقرون بوجود “مافيا” عقارية تنهب ممتلكاتهم، بل إن الفضائح المتتالية، كما هو الشأن بالنسبة لملف”باب دارنا” وشبكة “حايم”وإقامة أوزرزد، طرقت باب البرلمان البرلمان، حيث دعت فرق برلمانية إلى حماية المغاربة من هؤلاء المافيات، مذكرة بأن عددا من المواطنات والمواطنين المغاربة، تعرضوا لعملية نصب واحتيال من طرف شركات عقارية ، وهو ما تسبب في ضياع مدخراتهم المالية التي قاموا بتوفيرها في بلدان الغربة، قصد شراء منازل تأويهم وأبناءهم لدى عودتهم لبلدهم الأم، من أجل قضاء العطل أو الاستقرار. ولعل أسطع مثال على ذلك ملف إقامة أوزود بالجديدة، حيث
تقول أسر مغربية مقيمة في المهجر لبيان اليوم ، إنها هاجرت منذ سنوات طويلة إلى الخارج، وعملت جاهدة من أجل شراء شقق بإقامة بهذا المنتجع المتواجد بسيدي بوزيد بجماعة مولاي عبدالله بمدينة الجديدة، تقضي فيها إجازتها السنوية، وتجعلها مقاما لها عند العودة النهائية للوطن. لكنها فوجئت ليس فقط بالحرمان من عقاراتها بطريقة احتيالية، بل أيضا ببروز عناصر تمنعها من انتزاع حقوقها.
أنصفها القضاء جزئيا عقب حكم قضائي ابتدائي، زج بصاحب المشروع في السجن لمدة ثلاث سنوات سجنا نافذا، في انتظار المرحلة الاستئنافية التي مرت منها قرابة 12 جلسة دون تجهيزها إلى اليوم بحيث أن هناك جلسة أخرى مبرمجة ليوم 2 شتنبر 2021.
نعم أنصفها جزئيا لأن القضاء لم يجد بعد حلا لإخلالات القابع في السجن بالاتفاقات المتعاقد عليها معه. هذا الأخير جنح إلى الحصول على تنازلات للمشتكين مدعيا أنه سيقوم بحل الإشكالات المالية و المسطرية والقانونية المتعلقة بنقل الحقوق العينية المتعلقة بالرسوم المذكورة لفائدة المشتكين، حيث تولى ابنه تدبير عملية التفاوض دون أن يقدم ضمانات حقيقية لفائدة المشتكين و هو ما تم رفضه من طرفهم إيمانا منهم بأن ما قدمه هذا الأخير يبقى مجرد وعود كاذبة قدمت سلفا من طرف والده.
وأد حقوق الضحايا
لم يستسغ الضحايا، حسب حديثهم لبيان اليوم، ضياع شقاء العمر في بلاد المهجر، فأسسوا جمعية للدفاع عن حقوقهم. هاته الجمعية لم تسلم هي الأخرى من مضايقات موجهة لرئيسها لثنيه عن مواصلة النضال استعدادا لمرحلة الاستئناف، والتي يعول عليها الضحايا لاستعادة حقوقهم كاملة. تتمثل هذه المضايقات، حسب الشكاية التي توصلت بيان اليوم بنسخة منها، في “تسخير أشخاص غرباء في نشر بطاقات وتدوينات وتعليقات وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد رئيس جمعيتهم الذي هو في الآن نفسه أحد الضحايا . وقد بدأت الحملة بتاريخ 22 غشت 2019 حين تم نشر إعلان من طرف شركة الحدائق الخضراء بجريدة الكترونية. الإعلان ينعت رئيس الجمعية، بمعية مجموعة من الضحايا، بنعوت و أوصاف قدحية ماسة بالكرامة و ماسة بالشرف، معتبرا إياهم “فوضويون ويلفقون الأكاذيب و يعملون بشكل خبيث و يسخرون كل إمكانياتهم القذرة من أجل إفشال المشروع”.على إثر ذلك، قدم رئيس الجمعية شكاية بتاريخ 22/09/2019 إلى النيابة العامة بالجديدة تحت رقم 4476/3101/19، كان مآلها الحفظ. وفي شهر شتنبر 2019 تم، على ع مدونة شخصية لأحد أعوان المافيا، نشر 5 تدوينات تنعت مجموعة من ضحايا شركة الحدائق الخضراء “بالعصابة” و تتهم رئيس الجمعية، الذي يعمل كمحاسب معتمد، “بارتكاب جنح متتالية تضر بالمهنة و تجعلها مشوبة بخطايا..”و أنه “غير مسجل بلائحة المحاسبين المعتمدين ” زيادة على عبارات السب و القذف و التشهير الذي مس بسمعته وبمركزه الاجتماعي. على إثر هذه التدوينات، قدم رئيس الجمعية شكاية إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة بتاريخ 17/02/2020 تحت رقم 863/3101/2020 . لكن للأسف تم حفظ الشكاية.
هذا الإفلات من العقاب، يقول ضحايا مشرورع أوزود، جعل المشتكى به و من معه يتمادون في أفعالهم الإجرامية و ذلك بخلق صفحة على حائط الفايسبوك، تضم مناشير و تدوينات و فيديوهات و صور مركبة تسيء لرئيس الجمعية و لأفراد عائلته و إلى الضحايا. كما تم خلق حساب خاص يعرض بشكل شبه يومي تدوينات و صور و فيديوهات و أخبار زائفة و تهديدات تضر بالرئيس. كل هذه الأفعال يتم نشرها و توزيعها على صفحة فاسبوكية وعلى الواتساب و من خلال مجموعة تضم العديد من المشاركين أغلبهم رجال أعمال و أصحاب الصحف و مدونون على مواقع التواصل الاجتماع، وذلك لإلحاق أكبر ضرر ممكن برئيس الجمعية الذي بات الناطق الرسمي الوحيد باسم الضحايا الذين يوجد أغلبهم خارج الوطن بسبب التزاماتهم المهنية والعائلية. وعلى غرار باقي الهجمات، قدم رئيس الجمعية شكاية إلى السيد وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالجديدة تحت رقم 4513/3101/2020 بتاريخ 16/11/2020.


وعوض تلقي الإنصاف، سيفاجئ رئيس الجمعية بقرار منح الترخيض ل”جمعية..”، يرأس لجنتها التحضيرية نجل المتهم الرئيسي في اغتصاب حقوق الضحايا القابع في السجن، وبتنظيم هذه الجمعية، في عز انتشار الوباء، لوقفة احتجاجية أمام مكتبه الذي يعمل فيه كمحاسب معتمد في قلب مدينة الجديدة. فسارع إلى تقديم شكاية شهر دجنبر من سنة 2020 تحت رقم 5050/3101/2020. تم الاستماع إليه على إثرها من طرف درك سيدي بوزيد، دون اتخاذ ما يلزم، علما أن المشاركين في الوقفة، وأصحاب التهديدات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف المأجورة، يلعبون أدوارا في مشروع إقامة أوزود. منهم من يمثل شركة الحدائق الخضراء لدى المقاول المكلف بتتمة الأشغال و ذلك بموجب وكالة بتاريخ 20 ماي 2020، ومنهم المقاول المكلف بتتمة الأشغال بنفس الإقامة حسب مأمور التنفيذ الذي عينته المحكمة للإشراف على هذه الأشغال، و منهم الذي لعب دور الضحية بحيث قدم شكاية في مواجهة رئيس الجمعية التي أسسها الضحايا بالضرب و الجرح و إلحاق خسائر بممتلكات الغير ……
تعديل القانون
والخطير أن هذه الهجومات وصلت إلى مستوى التهديد بالقتل الذي يتمثل في واقعتين. كانت الأولى يوم 18/02/2021 على الساعة الرابعة مساء حيث تم اعتراض سبيل رئيس الجمعية وذلك بوضع سيارة في مدخل مرآب الإقامة، لمنعه من الخروج من هذه الأخيرة مع تهديده بالتصفية الجسدية بوسطة “كريك”. والثانية بواسطة شريط فيديو من 15 د و21 ثانية تم نشره علانية و على الملأ على حساب في الفيسبوك يوم 26 ماي 2021 على الساعة 15 و21 دقيقة بعنوان: “رسالة إلى العساس بإقامة أوزود بسيدي بوزيد“، نستحيي من ذكر مضمونها.
على إثر هذه التهديدات اضطر رئيس الجمعية و زوجته إلى إخلاء سكنه من إقامة أوزود، وكراء شقة مفروشة بمدينة الجديدة، و تقدم بشكاية إلى السيد قاضي التحقيق لدى ابتدائية الجديدة بتاريخ 29 يونيو 2021 لا يعرف مآلها إلى يومنا هذا.


ويرى سعيد براض المتخصص في المجال العقاري، أنه “تبعاً لحجم قضايا مافيا العقار المعروضة على المحاكم، تمت تعديلات قانونية بهدف التصدي الفوري والحازم للظاهرة، لكن هذه التعديلات بحاجة اليوم إلى نصوص تكبح جماح الموالين لمافيا العقار والذين لهم مصالح، إما عينية أو مادية، لثني الضحايا عن مواصلة المطالبة بحقوقهم. وهي نصوص نراها اليوم ضرورية لتفادي انعكاسات وسلبيات خطيرة قد تؤدي إلى زعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين”.
ويضيف سعيد براض أن ظاهرة الموالين لمافيا العقار أصبحت جريمة منظمة، ولم تعد ظاهرة فردية، تقوم بها عصابات تتقن فن الهجوم المضاد، مشيدا بتناول الظاهرة من قبل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل خلق جبهة لصد المحتالين والموالين لمافيا العقار التي اتخذت العديد من الإجراءات العقابية في حقها، خصوصاً بعد التدخل الملكي الذي دق ناقوس الخطر جراء العدد الهائل من الشكاوى التي تصل إلى الديوان الملكي حول الموضوع”.


ولعل ما ينبئ بغد أفضل تأكيدات صدرت عن عدد من وكلاء الملك حين تنصيبهم بالمحاكم بضرورة السرعة والحزم في تطبيق القانون في حق المرتشين و المترامين على عقارات الغير مغاربة وأجانب، مؤكدين أن التحقيق العقاري سيكون من بين أولويات برنامجهم العملي، لأن بعض الأشخاص أصبحوا يلجؤون للتزوير من أجل الاستيلاء على عقار الغير مغاربة وأجانب ما يتسبب في ضياع الحقوق
والثقة في النظام العقار ببلادنا”.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً