ممتهنات الدعارة بالجنوب الشرقي .. فقيرات و”مرغمات لا بطلات”

هنا الخبر

رغم أن المشرع المغربي جرم العلاقات الجنسية غير الشرعية، ويعاقب ممتهنات الدعارة وزبنائهن بالسجن، فإن عددا من المدن ما زالت تحتضن أوكارا للدعارة تستقبل عشرات النساء من مختلف الأعمار، وزبناء من الذكور من كل حدب وصوب، غير مهتمين بالأمراض التي قد تصيبهم في تلك الأوكار، أو الجرائم التي قد يتعرضون لها، أو السجن الذي قد يكون مصيرهم مع أول دورية أمنية تحل بالمكان.

للجنوب الشرقي المغربي نصيب من هذه الأوكار، التي أصبحت تقض مضجع العديد من الحقوقيين، الذين ينادون بقانون يحمي ممتهنات الدعارة من الاستغلال الجنسي، وتوفير مورد رزق يحفظ لهن كرامتهن، وينتشلهن من براثن الفقر والاستغلال الجنسي البشع، المفروض عليهن مقابل دراهم معدودة.

بين بومية بإقليم ميدلت وقلعة مكونة بإقليم تنغير وأكدز بإقليم زاكورة تنتشر ثلاثة أوكار للدعارة ما زالت تعرف حركية كبيرة من قبل “عاملات الجنس” وزبنائهن، وهو ما يؤكد أن “الدولة لها يد في بقاء هذه الأوكار التي تعد وصمة عار بالنسبة إلى المدن المعنية وتشوه صورتها وتمس كبرياء سكانها وعزة نفس ساكنتها”، يقول بعض الحقوقيين.

مرغمات

بمجرد أن تقترب من إحدى عاملات الجنس وتحكي لك جزءا من معاناتها وأسباب ولوجها عالم الدعارة، تستطيع أن تغير نظرتك تجاه هذه الفئة المغلوبة على أمرها، حيث إن أغلبهن دفعهن الفقر والحاجة إلى هذا المجال، ولخصت إحداهن هذه المعاناة بـ”حتى مش مكيهربش من دار العرس”، مضيفة “نحن مرغمات على فعل هذا من أجل توفير لقمة العيش لأبنائنا أو أسرنا.. مكاينش البديل”.

بعض “عاملات الجنس” أو “المفروض عليهن الجنس”، تحدثن مع الجريدة ، بشرط عدم البوح بأسمائهن.

إحداهن تقطن بـ “الدرب” بقلعة مكونة، قالت وهي تذرف الدموع: “الواقع الذي نعيشه نجني منه الكثير من المشاكل والمتاعب، لكن حالتي الاجتماعية لا تسمح لي بمغادرة الدرب، وحتى إن فكرت أن أعتزل المجال وأشتغل في عمل شريف، فلا يمكنني ذلك لكوني من ذوي السوابق العدلية في الدعارة”.

وتابعت قائلة: “نعلم علم اليقين أن حياتنا مهددة بأمراض مزمنة وخبيثة. لكن الجوع أيضا يدق أبواب بيوتنا إن رفضنا هذا العمل فقط ليوم واحد”. وتضيف “الكل يعاتبنا، لكن لا أحد يسأل عن واقعنا وواقع حال أبنائنا وأسرنا”. واختتمت تصريحها قائلة: “لو وفرت لنا الدولة فرص عمل سنترك هذا المجال نهائيا. لكن الظروف حكمات علينا هكا”.

“نحن مثل أيها الناس ولنا كرامة، لكن الفقر كافر”، بهذه الجملة بدأت إحدى “المفروض عليهن العمل في الجنس” بوكر الدعارة ببومية حديثها مع الجريدة، مشيرة إلى أن وكر بومية أصبح بؤرة ليس فقط للدعارة، بل لترويج الممنوعات بشتى أنواعها، وأكدت أن عددا من الفتيات من ممتهنات الدعارة يتعرضن للاعتداءات.

وأضافت المتحدثة ذاتها أن “عاملات الجنس” بجاج إيغرم يتعرضن لأبشع الاعتداءات، وغالبيتهن لا يستطعن التبليغ عن هذه الاعتداءات، مشيرة إلى أن “جاج إغرم يعد من النقط السوداء بيومية خاصة، وإقليم ميدلت عامة، وفيه يتم ترويج المخدرات وماء الحياة وغيرهما من الممنوعات”. وتابعت قائلة: “رغم كل هذه المشاكل فهو يعد مورد رزقنا ورزق أبنائنا”. وطالبت المتحدثة ذاتها الجهات المسؤولة بتوفير عمل قار لهن وإخلاء وكر الدعارة بشكل نهائي.

“من أسباب ولوجي عالم الدعارة هو الفقر والحاجة والوضع الاجتماعي لأسرتي الهش”، تقول فتاة في الثلاثينات من عمرها، تمتن الدعارة بوكر أكدز بإقليم زاكورة، مشيرة إلى أن “لكل واحدة منا ظروفها التي دفعتها إلى امتهان الدعارة مقابل دراهم معدودة قد لا تكفيك لشراء الدواء في حالة المرض”.

وأضافت المتحدثة نفسها، في تصريح للجريدة ، أن أغلب ممتهنات الدعارة بأكدز وفي باقي أوكار الدعارة بالمغرب لهن سوابق عدلية، ولا يمكن لأي مشغل استقبالهن للعمل لديه، مشيرة إلى أن “أغلب الفتيات يرغبن في عمل شريف من أجل التخلي عن الفساد والدعارة، وهن مدمنات على أنواع مختلفة من المخدرات، وبحاجة إلى من ينتشلهن من الانحراف والدعارة والبؤس والفقر”.

أوكار الدعارة بؤر للإجرام

وتعليقا على هذا الموضوع، تأسف حميد بن إيطو، وهو فاعل حقوقي من ميدلت، على ما تعيشه فئة عريضة من النساء المفروض عليهن البغاء والدعارة، مشيرا إلى أن الجميع يتحمل مسؤولية هذا الواقع المؤلم من مسؤولين وفعاليات مدنية. وأضاف “آن الوقت لوضع حد لهذه الأوكار تنفيذا للقانون رقم 27.14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر”.

وأوضح الحقوقي ذاته، في تصريح للجريدة  أن هؤلاء النسوة لا يقمن بذلك عن قناعة، بل من أجل كسب قوت يومهن، وتوفير ظروف مريحة لأسرهن وأبنائهن مقابل ألم وعذاب وحدهن من يعلمنه، مما يوضح أن القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر ينطبق على زبناء هؤلاء النسوة وعليهن أيضا، مشيرا إلى أن الحقوقيين أنفسهم يتحملون مسؤولية ما تتعرض له هذه الفئة من المجتمع.

وأضاف المتحدث نفسه أن “أوكار الدعارة تعد من أكبر بؤر الإجرام بعلم الجميع، من سلطات أمنية وإدارية ومنتخبة، وحتى أصحاب القرار على مستوى المركز”. وتساءل: “هل تعلمون أن مثل هذه الأمور تسيئ إلى بلدنا الذي يتبجح بحقوق الإنسان وصون كرامته وإنسانيته؟”، لافتا الانتباه إلى “أن هناك من يستغل ضعف هذه الفئة في حساباته السياسية مقابل الدفاع عنهن”.

وطالب الحقوقي ذاته العمالات المعنية بهذه الظاهرة بالقيام بالمتعين حفاظا على كرامة هؤلاء النسوة وصون كرامة أهل المناطق المعنية، مشيرا إلى أن هناك تنسيقا سريا يجري حاليا بين عدة منظمات وجمعيات حقوقية وطنية وأجنبية من أجل زيارة هذه الأوكار والاستماع إلى مشاكل “عاملات الجنس”، في انتظار تنظيم لقاء جهوي حول هذه المسألة.

” صحيح أن أوكار الدعارة تشكل المصدر الأول للإجرام وترويج أنواع مختلفة من الممنوعات”، يقول مصدر أمني مسؤول بزاكورة، قبل أن يضيف أن السلطات الأمنية تبذل مجهوداتها من أجل مكافحة دور الدعارة، لكن هذه الظاهرة لا يمكن وقفها إلا بإحداث بديل لهذه الفئة من خلال دعمها في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لإنجاز مشاريع تقيها شر البغاء والدعارة، يقول المصدر الأمني.

المصدر نفسه الذي فضل عدم البوح بهويته للعموم، أوضح في تصريح لهسبريس أن عددا من الأوكار بالجنوب الشرقي للمغرب بدأت في الزوال، بفضل تدخلات السلطات الأمنية ورفضها من قبل الساكنة، داعيا أصحاب المنازل التي تستأجرها هذه الفئة إلى الكف عن إكرائها، مشيرا إلى أنهم إن فعلوا ذلك سيتحملون المسؤولية وسيعاقبهم القانون بتهمة إعداد دور للدعارة.

بدوره، أكد عبد الرحمان جوادي، من قلعة مكونة، أنه بالإضافة إلى كون هذه الأوكار تشكل بؤرا للإجرام بشتى أنواع، فإنها تشكل أيضا قاعدة انتخابية لدى العديد من المسؤولين المنتخبين الذين يسهلون لممتهنات الدعارة مساطر تغيير العنوان وإنجاز البطاقة الوطنية والتسجيل في لوائح الانتخابات، داعيا المسؤولين إلى فتح تحقيق في هذا الموضوع لاكتشاف جريمة تمارس في حق هؤلاء النسوة.

Share
  • Link copied
Comments ( 0 )

اترك تعليقاً