هنا الخبر
يشكل التهريب الدولي للمخدرات عبر التراب الوطني أهم انشغالات الأجهزة الأمنية المغربية ومعها الدولية، فقد أصبحت شبكات تلبس قناع ” مستثمرين” تتحرك بين جهات المغرب كما يتحرك “السرطان” في أوجه نشاطه بجسم الانسان .
من خلال هذا التحقيق، ستحاول الجريدة ، كشف بعض خبايا هذه المافيا وكيف تتحرك وتنقل نشاطها بين الشمال والجنوب، وكيف تواجه السلطات الأمنية هذا ” الخطر” من خلال عملياتها المكثفة للحد من نشاط هؤلاء المهربين.
في السنوات الاخيرة، ظهر الى الوجود في مجال التهريب الدولي للمخدرات، نوع جديد يتعلق الأمر بتجارة ” الكوكايين” القادم من بلدان أمريكا اللاتينية، عوض التهريب الكلاسيكي ل ” الحشيش المغربي” او ” القرقوبي” الجزائري عبر الحدود الشرقية والجنوبية او عبر الحدود الشمالية للمملكة .
– تهريب دولي للمخدرات بعباءة تجارية
من خلال كل العمليات الأمنية التي باشرتها السلطات المغربية بالداخل او عبر الحدود، لتفكيك شبكات التهريب، عادة ما ينكشف ان تلك الشحنات كانت محملة بداخل شاحنات من الحجم الكبير تحمل الخضر او فواكه او أسماك، والبعض منها داخل معامل التلفيف خصوصا بمنطقة ( سوس) او الضيعات الفلاحية، بعد ضبط العشرات من الاطنان من الحشيش المعبأ والملفف بالمغرب، لكن في خمس السنوات الماضية، باتت هذه التجارة تعرف صنف جديد أكثر قيمة مالية أو ضررا لمستهلكيه، ( صنف الهيروين” بعد أن استطاعت السلطات من حجز كميات متفرقة منه تقدر بالعشرات من الاطنان.
خلال عشرة السنوات الماضية، بدأت شركات أغلب اصحابها ” أجانب” تتوجه إلى اقاليم الحنوب، من أجل الاستثمار في القطاع الفلاحي، وتنشيط الصادرات، لكن من خلال العمليات الأمنية، تم اعتقال العديد من هؤلاء في حين أن آخرون لاذو بالفرار مثل حالة الاسباني ” كارلوس” وزوجته المغربية ” زنوبة” بعد أن ضبطت قبل سبع سنوات، السلطات الأمنية بمدينة إنزكان، شحنة كبيرة من مخدر الحشيش ( 7 أطنان) تمت تعبأتها بداخل معمل التلفيف ” مكتراة بمنطقة ” التمسية”، وفي الوقت الذي تم توقيف الشحنة وانتقال فرقة أمنية الى منزل زوجة ” كارلوس” المتواجد بمنطقة الݣويرة بأكادير، كانت قد إختفت عن الانظار، ولم يتم العثور عليها الى يومنا هذا، مما يكشف أن التجار الكبار للمخدرات، لهم شبكة داخلية وخارجية توفر لهم ” الغطاء” ولا يمكن محاصرتهم كباقي التجار المتوسطين والصغار.
– منابع شحنات ” الكوكايين”
من خلال الابحاث والتحريات التي باشرتها السلطات الأمنية المغربية بتنسيق وتعاون مع الشرطة الدولية، بات مؤكدا أن مافيا التهريب الدولية، بدأت تتسع رقعة نشاطها التجاري في الساحل الغربي لافريقيا عبر المحيط الاطلسي، أغلب تلك السفن العابرة للمحيطات في ملكية شركات دولية، متخصصة في النقل، والبعض منها في صيد الاسماك في أعالي البحار تحمل جنسيات مختلفة، وظيفتها الأساسية نقل كل ما هو محظور دوليا وله قيمة مالية كبيرة ( السلاح والمخدرات).
ودون الحديث على ما يقع بالسواحل الغربية لافريقيا المطلة على المحيط الاطلسي، سنركز بالاساس، على التهريب الدولي للمخدرات عبر مياه الأطلسي الحدودية بين المغرب وموريتانيا، وهو المكان التي اختارته مافيا من امريكا اللاتينية، من أحل تحويل التراب المغربي منطقة عبور لشحنات كبيرة من ” الكوكايين” من أجل نقلها الى بلدان اسيا اوروبا وكذلك بلدان شمال افريقيا، مستغلين شبكة كبيرة من تجار او ” ناقلين” .
وكانت السلطات الأمنية المغربية بتنسيق مع السلطات الأمنية الاسبانية قد نجحت أكثر من مرة إحباط تهريب كميات كبيرة من تلك الشحنات عبر التعاون الأمني بين البلدين، لكن يبقى الاشكال الاكبر وهي الحدود الشرقية مع الجارة الجزائر، التي أصبحت منافذ شاسعة لتلك المافيات متخصصة في الاتجار في البشر والمخدرات، مستغلة عدم التعاون الأمني بين المغرب والجزائر ، وكان هذا مصدر تخوف من بلدان اوروبية، التي دعت او حذرت الجزائر من هذا التهاون، لكن دون جدوى، بسبب تورط ” جنيرلات في الجيش الجزائري” في تلك العمليات بشكل خفي، ولعل أكبر دليك هو تهريب ” الاقراص المهلوسة” التي تصنع داخل التراب الجزائري ويتم تهريبها الى المغرب او او اوروبا وإن كان هذا الوضع يتم بصعوبة لأن تلك الدول تحمي حدودها بشكل كبير، لكن مافيا تحول خطوط تجارتها الى الحدود مع ” مالي” او جل بلدان جنوب الصحراء، حيث اصبحت تجارة المخدرات او الأسلحة مما مكن مجموعات إرهابية في التنقل من سوريا الى ليبيا والمرور عبر صحراءها وجزء من تراب الجزائر للاستقرار في دولة ” مالي” وكان مجلس الامن قد حذر من انتقال هذه المجموعات الى هناك، وان تحركاتها ونشاطها سيكون من تلك البلدان ( جنوب الصحراء) .
– كيف تتحرك هذه المافيا داخل المغرب
كشفت مصادر ل هنا الخبر أن مافيا التهريب الدولي للمخدرات، قد غيرت، مؤخرا من إستراتجيتها بعدما شددت السلطات الامنية و الدركية الخناق على سواحل تمتد من الدار البيضاء الى سواحل الجديدة، بعد اعتقال العقل المدبر لعمليات التهريب انطلاقا من الشريط الساحلي لدكالة، حيث تؤكد مصادرنا على أن عمليات التهريب هناك متوقفة بشكل تام، بعد مباشرة ابحاث داخلية حول إمكانية وجود أشخاص بالإدارة يوفرون التعاون لهؤلاء المهربين .
و كلما شددت السلطات المغربية الخناق على تهريب المخدرات، الا وزاد الطلب عليها من داخل اوروبا و بلدان افريقيا جنوب الصحراء، و هو ما يفتح شهية المهربين و يدفعهم الى البحث عن مناطق يسهل عبرها شحن بضائعهم بعيدا عن اعين المصالح الامنية و الدركية و العسكرية، ووجود معلومات تشير أن مافيا التهريب نقلت نشاطها من جديد من سواحل دكالة الى سواحل جهة سوس ماسة ، حيث يمكن تهريب السلع برا و بحرا في ظل الحركة التجارية التي تعرفها اقاليم الجهة .
وتضيف نفس المعلومات أن كبار تجار المخدرات بالشمال، قد كثفوا ، خلال الاشهر القليلة الماضية، من اتصالاتهم مع مهربي منطقة سوس، للتفاوض حول عمليات التهريب التي من المتوقع ان تتضاعف خلال النصف الثاني من السنة الجارية ، بعدما تضييق الخناق عليها في سواحل شمالية، حيث تستعد مستودعات المهربين لاستقبال اطنان من المخدرات سيتم نقلها من الشمال نحو سوس، ليتم تهريبها كل شحنة حسب طريقة عمل المهربين الذين يتوزعون بين شركات للنفل البري و سفن و مصانع التلفيف والتصدير .
و تحدثت مصادرنا عن مهربين كبار ينتمون الى علية القوم، من بينهم من سبق ادانتهم بتهريب المخدرات، قد كونوا علاقات مع سياسيين و مسؤولين كبار، يستغلونها لممارسة انشطتهم، و الحيلولة دون أن تصلهم أيادي حماة الدولة، عبر تقديم اكباش فداء للقضاء، بينما يبقى المهربون و التجار خارج دائرة المحاسبة و يستمرون في ممارسة انشطتهم ضد القانون.
اغلب الاشخاص الذين ينشطون في التهريب الدولي للمخدرات ينتمون لكبار المستثمرين إما في مجال الصيد البحري أو في المجال الفلاحي، و يمتلكون عشرات الشركات الوهمية اغلبها يتم تأسيسه بالصحراء هروبا من الضرائب، لتبييض الاموال و تبرير ملايير الدراهم التي يربحونها من التهريب .
وكشفت مصادر الجريدة، أن خطط مافيا التهريب ستركز خلال فصل الصيف القادم على الواجهة البحرية في الوسط ، عبر نقط قليلة التغطية الأمنية، عبر مراكب التي ستنقل الشحنات من المياه الإقليمية الى المياه الدولية حيث توجد سفن كبيرة ستتسلم الشحنات في وسط البحر .
الخطة الثانية وإن تعد كلاسيكية لدى مافيا التهريب، هو استغلال المنافذ البرية عبر شاحنات تنقل الخضر الملففة او الاسماك المجمدة بعضها سيتوجه عبر الشمال للمرور الى اوروبا والبعض الآخر نحوافريقيا، بعد ابتكار حيل و خطط لاجل اخفاء المخدرات بطرق يصعب اكتشافها من طرف المصالح الجمركية و الامنية و الدركية، خصوصا المتواجدة على الطريق في اتجاه الكركرات أو المرابطة بالمعابر الحدودية.
ولم تستبعد مصادرنا، عن تواجد وحدات للتخزين على امتداد مساحة تراب أربعة اقاليم بالوسط ” اكادير و انزكان و اشتوكة و تيزنيت” ، تستقبل المخدرات و تعيد تخزينها داخل السلع الموجهة للتصدير و من تم تنطلق في اتجاه اوروبا و افريقيا، وأن بعض تلك الوحدات خارج نفوذ الامن الوطني.
و اكدت ذات المصادر على أن كبار مهربي المخدرات، قد شنوا حربا ضروسا على أحد مالكي مراكب الصيد المدعو “ك.ص”، و ذلك بهدف استبعاده من مناطق انشطتهم، خوفا من أن يفضحهم، و قد وصلت هاته الحرب لدرجة قصف بالبلاغات و استعمال لبعض وسائل الاعلام التي تهاجمه مقابل اموال طائلة يدفعها المهربون الذين يسعون للتخلص منه.
هناك معلومات تشير عن مغادرة احد الاشخاص السجن بعد شهرين فقط من إعتقاله سنة 2020، بعدما تقديم عدد من “اكباش فداء “وافقوا على حمل القضية بمقابل مادي مهم.
– كيف يمكن حماية التراب الوطني من مافيا التهريب ؟؟
في غالب الأحيان أن مواجهة الدولة حاليا تعتمد على المقاربة الأمنية بشكل كبير، عبر أجهزتها الإستخباراتية او الرقابية عبر الطرق او عبر النقط الحدودية ” المطارات .الحدود البرية .الحدود البحرية” او عبر التعاون الأمني مع عدد من الدول التي تربطها إتفاقيات أمنية” معها، غير انه رغم أهمية ذلك في مكافحة التهريب الدولي للمخدرات” يبقى دوره ضئيل جدا، وخير دليك على ذلك انه رغم احباط العشرات من عمليات التهريب، غير أن شبكته دائما تجدد اشتغالها وتاكتيكاتها، مما يشير بالملموس على ضرورة اللجوء الى تشريعات جديدة تهم محاصرة تلك الشبكات او مساعديهم من جمع الثروة من ” المخدرات”.
من ضمن بعض الافكار الواجب الاشتغال عليها، هو حملة أمنية كبيرة لتجفيف منابع تبييض الاموال من عائدات تجارة المخدرات.
مع تعزيز المراقبة على الحدود بالاليات و التقنيات الجديدة، واخضاع كافة الشاحنات او حمولات السفن الى الفحص بدون استثناء، والرفع من أجور موظفي الدولة المعنيين بالمراقبة من ضمنهم رجال الجمارك .
ضرورة محاربة الفساد الأمني في مختلف الأجهزة ، بعد تورط العشرات من الامنيين مع مهربين كبار للمخدرات، وضرورة تجفيف كل الدوافع التي تؤدي الى الفساد داخل الأجهزة بمختلف اصنافها وتخصصاتها.
ضرورة مراقبة دقيقة للمؤسسات البنكية، وتعاملاتها المالية مع مستثمرين ورجال أعمال، خصوصا تسجيل عمليات غسيل و تبييض الاموال بالملايير في السنوات الاخيرة، لأن جزء من أموال التصدير السلع المغربية تبقى خارج أرض الوطن، وجزء اخر يتم تمويله داخليا بأموال المخدرات، كذلك الاستثمارات في العقارات بمختلف تصنيفاتها، كما أنه تم تسجيل حسابات بنكية لمستثمرين ” حساب أسود” غالبا لا يحمل بيانات كافية للتعرف عن صاحبه، ومنه توجه مبالغ مهمة الى رشاوي لموظفي الدولة، وهناك نماذج تسربت للرأي العام، والبعض الآخر يتم التداول حوله في المحاكم في قضايا مختلفة.
بالنسبة للتشريع، تحريك وتفعيل الترسانة القانونية الموضوعة لهذا الغرض، وتسريع وضع قوانين اخرى معززة لحماية الامن المالي للبلاد من أموال المخدرات او التجارات الممنوعة، كذلك إرجاع قانون الثروة الى النقاش من جديد وتحيبنه، واخراجه لحيز الوجود.
ربط المسؤولية بالمحاسبة لموظفي الدولة، عبر تتبع دقيق لممتلكاتهم ” النقدية او العينية” ولاقاربهم، ومقارنتها بما يتقاضونه من أجور وتحفيزات من الدولة.
محاربة الفساد السياسي بالبلاد، لأنه يشكل المحفز لكل ما يمكن ان يلحق من فساد في كافة القطاعات، وتتبع ثروة السياسيين وطرق الحصول عليها، خصوصا أن مؤخرا في تصريح لبرلماني من الجنوب، بعد إعلانه ان عائدات أي برلماني من أجوره طيلة ولايته هي 193 مليون سنتيم، مشيرا أن كل برلماني لا يصعد في الانتخابات الا وانه يؤدي حوالي 400 مليون سنتيم لضمان مقعده في المجلسين ( البرلمان او المستشارين) لكن بعد سؤال الصحفي المحاور له عن مصدر تلك الاموال، التزم الصمت، وهو يكشف بالملموس، أن وصول الفساد للمؤسسات التشريعية هو أكثر ما يشكل خطورة على البلاد أو العباد.
Comments ( 0 )