هنا الخبر
يشهد المغرب منذ عقود ظاهرة الاستيلاء على أملاك الآخرين، التي استفحلت إلى درجة أنها أدت إلى غياب الثقة والخوف من الاستثمار في المجال العقاري. وأصبح المغاربة يقرّون بوجود “مافيا” عقارية تنهب ممتلكاتهم.
تقول عائلة محمد امسمنا، المقيمة في فرنسا، إن والدهم هاجر إلى فرنسا قبل 46 سنةً، وعمل جاهداً من أجل شراء أرض في العام 1996 تبلغ مساحتها 210 أمتار مربعة، بهدف بناء بيت تقضي فيه عائلته إجازتها السنوية عند زيارتها المغرب. لكنه تفاجأ ببيع عقاره بطريقة احتيالية ومن دون علمه إلى شركة عقارية في العام 2006.
تتهم العائلة عصابات الاستيلاء على العقار بسرقة حقها وحلمها في امتلاك منزل في المغرب. وتستغرب مدى غياب الثقة عند شراء عقار ومن الخوف الذي أصبح يدبّ في نفوس العديد من مالكي العقارات، خصوصاً المغاربة المهاجرين، الذين لا يمكنهم مراقبة أملاكهم طيلة السنة، باعتبار أنهم يأتون إلى المغرب في الغالب مرة واحدة في العام، ليتفاجأ العديد منهم ببيع أملاكه من دون علمه، بالتالي تضيع حقوق تساوي ملايين الدولارات.
ظاهرة مقلقة
يرى إدريس الفاخوري، وهو أستاذ في كلية الحقوق في جامعة محمد الأول بوجدة، في دراسة له حول هذه الظاهرة، إنه بالنظر إلى أهمية الملكية العقارية في حياة الأفراد، وقيمتها التصاعدية في السوق الاقتصادية، فإنها شكلت مطمعاً لذوي النيات السيئة الذين يحاولون سلبها من مالكيها الحقيقيين بشتى الطرق، إلى حد ظهور شبكات مؤطّرة في ميدان التزوير، غايتها البحث عن العقارات المهملة، خصوصاً تلك العائدة إلى الأجانب والمغاربة المقيمين في الخارج.
ويضيف “تبعاً لحجم القضايا المعروضة على المحاكم بتهم السطو على عقارات الأجانب، والمغاربة المقيمين في الخارج، وتزايد وتيرتها بشكل مقلق، وكذا حجم الشكاوى المعروضة على الجهات العليا في البلاد، تمت تعديلات قانونية بهدف التصدّي الفوري والحازم لظاهرة الاستيلاء على عقارات الغير، لما قد ينجم عنها من انعكاسات وسلبيات خطيرة قد تؤدي إلى زعزعة ثقة الفاعلين الاقتصاديين”.
يعتبر أيوب برض، المتخصّص في المجال العقاري، أن الظاهرة أصبحت جريمة منظمة. ويضيف أن “الاستيلاء على العقارات في المغرب لم يعد ظاهرة فردية، بل أضحى جرائم منظمة من طرف عصابات تتقن الميدان، ويتورط فيها موظفون في المنظومة القضائية وجهات أخرى، يقومون بتسهيل عمل هذه المافيات من طريق رصدهم الثغرات القانونية والتجاوزات الإدارية، إما من طريق التزوير أو الاحتيال والنصب”.
جانب اقتصادي وآخر اجتماعي
يحدّد الفاخوري الأسباب وراء الاستيلاء على عقارات الغير في كونها “تعود بالدرجة الأولى إلى الجانب الاقتصادي، والمتمثل في الرغبة في الاغتناء السريع، خصوصاً إذا علمنا أن العقارات التي تكون موضوع استيلاء غالباً ما تكون ذات قيمة مالية مهمة، وما الإحصاءات التي أوردها وزير العدل والحريات بخصوص هذه القضايا إلا خير دليل على ذلك. عليه، فإن العائدات المالية المحصلة من هذه العملية تكون في غالبية الأحوال الدافع الرئيس والمباشر للإقدام على الاستيلاء على عقارات الغير من دون موجب قانوني”.
ويضيف “تعتبر الأسباب الاجتماعية كذلك عاملاً مباشراً في تفشي الظاهرة، خصوصاً إذا سلمنا بالنسبة المرتفعة للأمية في المغرب. والأمية المقصودة هنا ليست الجهل بالقراءة والكتابة، بل أمية أوسع من ذلك وهي الجهل بالأمور القانونية ذات الارتباط بالملكية العقارية، الأمر الذي يستغله الأفراد أو العصابات التي تنشط في هذا الإطار”.
ويشرح برض طريقة اشتغال هذه الجماعات، قائلاً إنه “يتم الاستيلاء على أملاك الغير من طريق تزوير مافيات العقار عقد ملكية أحد العقارات سواء كانت شقة أو منزلاً أو أرضاً، ثم بيعه لشخص آخر من دون أن يعلم أن العقار ملك شخص آخر. إذ تتم الأمور بشكل قانوني بفضل بعض الخارجين عن القانون، الذين يقومون بتزوير الوثائق وتحفيظها كما لو أنها سليمة. وعلى الرغم من أن الشخص قد اشترى العقار بعقد مزوّر، إلا أنه لا يعتبر الضحية الرسمية في القضية. إذ ينص قانون مدونة الحقوق العينية في مادته الثانية على أنه إذا اشترى شخص عقاراً بحسن النية، على الرغم من أن عقد العقار الذي تم شراؤه يعتبر مزوراً، وإن لم يعلم صاحب العقار الأصلي أنه قد تم بيع عقاره في فترة أربع سنوات، لن يستطيع استرجاع ملكه إذا لم يقم برفع دعوى إبطال في الفترة المنصوص عليها. فالقانون يرجح كفة من اشترى العقار بالعقد المزور على أساس حسن نيته، ويتم طرد صاحب العقار الأصلي (الضحية الحقيقية) بأمر قضائي من عقاره، على الرغم من امتلاكه كل الوثائق الأصلية التي تدل على أنه المالك الأصلي للعقار”.
تشديد العقوبات
دخل إلى حيز التطبيق في أواخر مارس (آذار) الماضي قانون جديد عدّل بعض فصول القانون الجنائي، وضمّ فصولاً شدّدت عقوبة تزوير الأوراق الرسمية، لتصبح عقوبتها من 10 إلى 20 سنة سجناً، في حق كل قاض أو موظف أو كاتب عدل يزور، أثناء قيامه بوظيفته، وثيقة رسمية. كما ينص أحد فصول القانون الجديد على معاقبة كل محام، مؤهل قانوناً لتحرير العقود الثابتة التاريخ، طبقاً للمادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، بالسجن من 10 إلى 20 سنة، وغرامة من 10 آلاف إلى 20 ألف دولار في حالة ارتكابه أعمال التزوير.
وأوضح محمد متزكي، رئيس جمعية ضحايا مافيا العقار في الدار البيضاء، أن “القانون الجديد وحّد العقوبات على جميع المهنيين، في ما يتعلق بجرائم تزوير الأوراق العمومية والرسمية، بغية التصدي لجرائم التزوير، التي أسهمت بشكل كبير في بروز ظاهرة الاستيلاء على العقارات في المغرب”.
مدونة الحقوق العينية
شكلت المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية مثار جدل باعتبارها تشكل ثغرة يستغلها المستولون على عقارات الغير. وعلى الرغم من تعديلها في العام 2018، إلا أنها لا تزال تثير انتقادات. إذ يقول الموثق السباغي مبارك “تدخل المشرّع عبر تعديله المادة الثانية من المدونة، لكنه زاد الطين بلة بدلاً من حل المعضلة المتعلقة بالاستيلاء على أملاك الغير بسوء نية. ووفق هذه المادة، فإن من تضرر من التصرف في عقاره من دون علمه، عليه أن يندد بهذا العمل الإجرامي، سعياً منه إلى استرجاع عقاره. فهل ينجح في استرجاع حقوقه أو يستعصي عليه الأمر؟ وعندما تضيع منه أمواله العينية، لا يبقى أمامه سوى طلب التعويض عن الضرر الذي لحقه شريطة تقديمه دعوى في الموضوع داخل الأجل القانوني المحدد”.
ويتساءل “كيف للمحتالين والمزورين والنصابين أن ينجحوا في توريط المشرع، الذي لم ينتبه قط إلى ما أقره في الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من مدونة الحقوق العينية (القانون 39-08)؟”.
يعتبر برض أن تناول الظاهرة من قبل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كان إيجابياً. إذ اتخذت العديد من الإجراءات العقابية في حق مافيا العقار، خصوصاً بعد التدخل الملكي الذي دق ناقوس الخطر جراء العدد الهائل من الشكاوى التي تصل إلى الديوان الملكي حول الموضوع”.
Comments ( 0 )