توفيق بوعشرين*-هنا الخبر
أسفرت نتائج الإحصاء العام التي كشف عنها المندوب السامي للتخطيط، شكيب بنموسى، عن أن نسبة البطالة في المغرب بلغت 21.3% هذا العام وليست 13% التي أعلن عنها أحمد الحليمي قبل ذهابه إلى التقاعد !
الأخطر من هذا الرقم المرعب للبطالة في البلاد هو أن أرقام 2024 أسوأ من أرقام 2014، تاريخ آخر إحصاء عام للسكان والسكنى؛ حيث كانت نسبة البطالة وسط الذكور قبل عقد من الزمن في حدود 12.4%، أما الآن في 2024، فقد قفزت إلى 20,3%.
إذا كانت الأرقام لا تكذب، فإن الحكومات تكذب ليلًا ونهارًا. وحتى عندما لا تجد من يصدقها، فإنها تستمر في الكذب لتبقي رأسها في الرمل.
إن أرقام الإحصاء العام للسكان أكثر مصداقية ووثوقية من استطلاعات الرأي الجزئية التي تقوم بها المندوبية من فترة لأخرى؛ لأن أرقام الإحصاء مبنية على مقابلات مباشرة مع الأغلبية الساحقة من السكان في جميع الجهات والأقاليم والمدن والقرى والدواوير والمداشير عكس استطلاعات الرأي المحدودة عددا وجهة وفئات عمرية .
ثانيًا، يظهر أن الشيخ الحليمي كان «يُرطّب» الأرقام المتعلقة بالبطالة بحسه السياسي والبراغماتي، ومع ذلك كان يُضايق الحكومات المتعاقبة. وها هو شكيب بنموسى يحاول بدوره أن يُلطّف الأرقام، ويرجع الاختلاف بين نسبة البطالة المعلنة قبل اشهر (13% ) والنسبة الجديدة التي كشف عنها الإحصاء (21,3% ) إلى اختلاف مصادر المعلومات.
نعم، المصادر مختلفة، لكن الواقع واحد، وهو واقع يعرفه المغاربة من محيطهم، ومن أسرهم، ومن أصدقائهم، ومن عدد الشبان الذين يزدادون وقوفًا في رأس الدرب أو متكئين على الحيطان (الذين يُسمَّون في الجزائر «الحيطيست»)، أو الشباب الجالسين في المقاهي وأيديهم ممسكة بالهواتف «الغبية» التي تعرض لهم كل شيء إلا الواقع الذي يعيشونه وأسبابه الحقيقية!
حكومة «الكفاءات” ورجال الأعمال ونساء البزنس، الحكومة التي ولأول مرة في تاريخ المغرب تدمج هولدينغا ماليًّا كاملًا ضمن الائتلاف الحكومي المشكّل من ثلاثة أحزاب،قبل ان يلتحق به حزب «أكوا». هذه الحكومة تُنتج من البطالة ما لا تُنتجه أكبر الأزمات الاقتصادية والمالية في العالم.
ألا تصدقون؟ إليكم الدليل بالأرقام وبواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يعشقه أعضاء الحكومة.
سألتُ الأخ (Chat GPT) اليوم عن نسبة البطالة إبان مرحلة الكساد العظيم في أمريكا سنة 1929، فكان ردّه حرفيًا: ((إبان الأزمة الاقتصادية العالمية لسنة 1929، والتي عُرفت باسم الكساد الكبير، بلغت نسبة البطالة في الولايات المتحدة مستويات غير مسبوقة. وصلت النسبة إلى 25% في ذروتها عام 1933، أي أن ربع القوى العاملة الأمريكية أصبح عاطلًا عن العمل)).
معنى هذا أننا في المغرب نعيش «فترة كساد عظيم» دون إشعار، ودون إعلام، ودون تدابير، ودون اعتراف!
لنترك أمريكا فهي بعيدة عنا جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ونسأل مرة أخرى أرقام (شات جيبتي) عن نسبة البطالة في الجارة إسبانيا إبان أخطر أزمة اقتصادية ضربتها سنتي 2007 و2008، فماذا أجاب: ((خلال الأزمة الاقتصادية العالمية لعامي 2007-2008، التي أثرت بشكل كبير على إسبانيا، بدأت معدلات البطالة بالارتفاع إلى أن وصلت عام 2008 إلى حوالي 11.3%، ثم واصلت الصعود لتصل إلى 18.7% بحلول عام 2009، حيث تأثرت البلاد بشدة جراء انهيار قطاع العقارات وركود الاقتصاد العالمي)).
نعم، لما وصلت إسبانيا إلى 18.7% كانت كل إسبانيا تصرخ، والشارع يتألم، والمواطنون يبكون حرفيًا. ونتج عن ذلك تداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة ما زالت آثارها إلى اليوم. فماذا تقول بلاد من أفريقيا وصل فيها معدل البطالة إلى أكثر من 21%؟ لا تقول حكومتها إلا ما يرضي غرورها ونرجسيتها وإنكارها للواقع. تقول: «العام زين، والبلاد تتطور، واقتصادها ينمو، والنموذج الجديد للتنمية على السكة الصحيحة»، والدليل ما صرّح به بائع النعناع لعزيز أخنوش في الجنوب بمناسبة تجمع حزبي. والذي يقول العكس ما عليه إلا أن يضرب رأسه بالحائط أو يترشح للانتخابات أمام أباطرة الصناديق الذين عثروا على شيفرة الفوز بالانتخابات عن طريق المال السياسي، الذي لا يعرف إلا القليلون مصدره، والذي لا ترصده أجهزة الرقابة ولا مكاتب النيابات العامة!
هل أسوق مثالًا آخر على ريادة المغرب في تحطيم أرقام البطالة في العالم من تونس هذه الأيام، والتي لا تُسر صديقًا ولا تغيظ عدوًا؟ (نسبة البطالة في الربع الثالث من هذا العام وصلت إلى 16%). أم أتوقف هنا…
خاض حزب «الحمامة” غير الزاجلة حملته الانتخابية تحت شعار: «تستاهلو أحسن»، وها هو يطبّق الشعار عكسيًا تمامًا. وفوق هذا، لا يستحيي من «تخراج العينين» وبسط مزيد من سلطته على مراكز القرار في الدولة، حتى إني أزعم – بلا خوف من المبالغة – أن أقوى رئيس حكومة عرفه المغرب هو السيد عزيز أخنوش. والدليل أمامكم في التعديل الحكومي الأخير؛ حيث ضرب رئيس الحكومة سرب عصافير بحجرة واحدة: تخلّص من كل من يقلق راحته في مؤسسات الحكامة، ووضع أكبر عدد من موظفي شركاته في مراكز القرار العمومي في أكبر مغامرة للاستحواذ على الدولة، وكأنه خائف من المستقبل، ويسعى لتحصين قراراته وامتيازاته ومواقعه وثروته ومحيطه وأخطائه وإعلامه من كل محاسبة أو مراجعة.
قال الساخر والعميق الإنجليزي برنارد شو: «العاطلون عن العمل اشباح تسير بيننا وتذكرنا كل ساعة بفشل حكومتنا، حكومتنا التي تنجح في شيء واحد :ان تخلف بما وعدت)».
*كاتب صحفي مغربي/ مؤسس صحيفة «أخبار اليوم».
Comments ( 0 )