هنا الخبر
علت أصوات العويل والصراخ ساحات مشافي وسط قطاع غزة، حزنا على ضحايا مجزرتين نفذتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأوقعتا عشرات الضحايا، استهدفت فيهما مناطق نزوح آمنة داخل أسوار المستشفى وفي أحد مراكز الإيواء، فحرقت الصواريخ الإسرائيلية ومزقت أجساد الضحايا وغالبيتهم من الأطفال، بعد أن حالت دون وصول طواقم الإنقاذ ولإسعاف الضحايا.
وتروي “القدس العربي” تفاصيل المجزرتين، اللتين وقعتا أثناء خلود النازحين للنوم في المدرسة المستهدفة ومن ثم في تجمع الخيام داخل مشفى شهداء الأقصى، لتضاف هذه المجازر إلى قائمة طويلة، سجل فيها استهداف النازحين داخل المشفى وفي مناطق أخرى في القطاع.
محرقة النازحين
وفي تفاصيل المجازر، فلم تكد تمضي سوى ثوان معدودة على المجزرة التي اقترفها الاحتلال ضد النازحين في الخيام المقامة في ساحة مشفى الأقصى، وتبعد فقط مسافة عشرات الأمتار عن مبنى المشفى الرئيس وقسم الاستقبال والعمليات، حتى اندلعت النيران في الخيام البلاستيكية التي تؤوي عشرات العائلات، ولتتصاعد معها ألسنة اللهب الذي جاء على تلك الخيام وما فيها من أمتعة إلى السماء، مخلفة كارثة كبيرة، أدت إلى حرق الكثير من النازحين قبل أن يتمكنوا من الفرار.
وتقول دعاء ربة أسرة نازحة مع أسرتها داخل المستشفى منذ عدة أشهر، وتقطن في خيمة قريبة من الاستهداف، إنها فور سماع صوت القصف ومعرفة المكان المستهدف حملت وزوجها أطفالها وفروا خارج أسوار المشفى وبعيدا عن مناطق الخيام، مع بداية اشتعال النيران، لافتة إلى أن صراخ النازحين في المنطقة ومن هبوا لنجدتهم من طواقم طبية ونازحين علت في المكان، وقالت إنهم عاشوا “كابوسا” كبيرا، حيث ظلت مستيقظة طوال الليل بعد تمكن المواطنين وطواقم الإنقاذ من اخماد الحريق، وأضافت في نهاية حديثها وكانت تحمل أحد أطفالها بين يديها “المشهد لا يوصف”.
واحتمى مواطنون بأغطية مبللة بالماء، وضعوها على أجسادهم، في محاولة منهم لاجتياز لهيب النيران المتصاعد، والوصول إلى الضحايا داخل الخيام التي اشتعلت فيها النيران لنجدتهم، وقال أحمد أبو عدي لـ “القدس العربي”، وهو أحد الشبان النازحين في الجهة الساحة الثانية من المشفى، نهم حاولوا جاهدا المساعدة لكن بدون القدرة على اختراق لهيب النار، في ظل تصاعد ألسنة اللهب، لافتا إلى أنه جرى انتشال ضحايا أحرقت النيران أجسادهم، واصفا المشهد بـ “المخيف”.
وعند بوابة الغرفة التي تتواجد فيها ثلاجات الموتى، بكت امرأة بحرقة على أحد أقاربها ممن سقطوا في المجزرة، ولم تتمكن هذه السيدة من الحديث، واكتفت بالقول “حرقوهم الله يحرقهم”.
تنديد
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن هذه هي المرة السابعة على التوالي منذ بدء الحرب، التي تستهدف فيها قوات الاحتلال خياما للنازحين داخل أسوار المستشفى.
وأدانت وزارة الصحة استهداف الاحتلال المباشر لساحة المستشفى، والتي نشب عنه حريق كبير في خيام النازحين ومرافق المستشفى، ما أدى إلى استشهاد 4 وأكثر من 40 إصابة بينها حالات خطيرة معظمها أطفال ونساء من النازحين داخل المستشفى، وناشدت المؤسسات الدولية والأممية بـ “التدخل العاجل في حماية المستشفيات والكوادر الصحية من بطش الاحتلال وإجرامه”.
وفي السياق، قال القيادي في حركة حماس عزت الرشق، معقبا على ما حصل إن “️محرقة نازية جديدة، ينفذها الجيش الصهيوني بسلاح أمريكي ودعم وغطاء من العجز الدولي، ويستهدف خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح”.
مجزرة مركز الإيواء
وفي مشهد حزين حمل أهالي الضحايا وسكان من المخيم الجثامين بعد أداء صلاة الجنازة عليهم إلى مقبرة المخيم، فيما لا يزال هناك عشرات الضحايا يتلقون العلاج من إصابات بعضها خطرة جراء الهجوم.
وجاءت المجزرة التي وقعت حين استهدفت قوات الاحتلال مدرسة النازحين وهو نيام، بنحو خمسة صواريخ أطلقت على فترات، منها ما استهدف النازحين والسكان بعد تجمعهم في المدرسة، خلال محاولاتهم انقاذ الضحايا.
وعن هذه المجزرة، قال أحد شهود العيان، إنها وقعت من خلال استهدافات متتالية بالصواريخ الإسرائيلية، وذكر هذا الشاهد وهو شاب حضر إلى مشفى العودة في مخيم النصيرات برفقة آخرين هبوا لإسعاف المصابين والضحايا، أن الاستهداف الأول حصل خلال تواجد النازحين داخل غرف الفصول الدراسية التي أصبحت مكانا للسكن، بعضهم قد نام، وآخرون يتحدثون في أمور حياتهم.
وأشار لـ “القدس العربي”، إلى أنه وخلال فزع النازحين ومحاولتهم الخروج من المدرسة المستهدفة، قامت قوات الاحتلال وأطلقت صاروخا آخر، مما زاد من عدد الضحايا الذين سقطوا في المجزرة، موضحا أنه وخلال عملية اسعاف النازحين استهدفت قوات الاحتلال المكان بقذيفة ثالثة ومن ثم بقذيفة رابعة.
وحسب شاهد عيان آخر فقد حلقت طائرات مسيرة من نوع “كواد كابتر” فوق سماء المنطقة، وأنها أطلقت النار عدة مرات، مما حال دون قدرة سكان المنطقة المجاورة على الدخول إلى المدرسة لنجدة النازحين، وقال إنهم كانوا يسمعون من المنازل المجاورة صرخات النازحين الذين أصيبوا في الهجوم، وآخرون صرخوا خوفا من الموت، بسبب الاستهدافات المتلاحقة.
وقالت فاطمة العجب وهي نازحة منذ بدايات الحرب لجأت إلى عدة مناطق، وفقدت عددا من أقاربها خلال الحرب، ما اضطرها مؤخرا للسكن في مركز الإيواء في مدرسة “المفتي”، إنها كانت تشارك جارة لها في غرف المدرسة، ومعهما أطفالهما، قبل أن تبدأ سقوط القذائف بشكل متتال على المدرسة، وقالت هذه السيدة وهي ربة أسرة مكونة من خمسة أطفال، إنها فرت فور سقوط القذائف هي وأطفالها، فيما قضت جارتها في ذلك القصف، ووجدت أطفالها وهم مقطعين داخل فراش نومهم بسبب سقوط قذيفة مباشرة على الغرفة الدراسية التي كانت مأوى لهم في النزوح، لافتة إلى أن بقايا الجثث تناثرت في المكان، وأن القصف أعقبه اندلاع نيران في الغرفة، وهو ما حال دون قدرة الطواقم الطبية والسكان على نجدة المحاصرين داخل النيران.
وقال أحد أقارب الشهيد أحمد الغولة الذي قضى في مجزرة مدرسة “المفتي” إنه كان سيزف إلى عروسه هذا اليوم (الاثنين)، وإنه قضى في المجزرة في قبل ساعات من زواجه، وقد سجي جثمانه في ساحة المشفى وعلى وجهه ظهرت آثار الدمار، قبل أن يحمل إلى المقبرة.
ليلة رعب
وعقب المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” فليب لازريني، على ما حصل من مجازر بالقول “ليلة أخرى من الرعب في المناطق الوسطى”، وأضاف في منشور على موقع “اكس” “اشتعلت النيران في الخيام بسبب غارة جوية على باحة مستشفى الأقصى حيث لجأ الناس إلى المأوى”.
وقال وهو يصف الأوضاع المأساوية “غزة جحيم لا ينتهي”، لكنه شدد على ضرورة أن لا يصبح هو القاعدة الجديدة.
هذا وأكد المكتب الإعلامي الحكومي، أن قوات الاحتلال ارتكبت “مجزرة وحشية”، لافتا إلى أن جيش الاحتلال كان على علم بأن مدرسة “المفتي” تضم آلاف النازحين الأطفال والنساء الذين شردهم من منازلهم وقصف أحياءهم المدنية، وقام بقصف المدرسة رغم أنها في منطقة لم يصنفها الاحتلال بأنها منطقة قتال.
خوف النازحين
وقد واجهت طواقم الإسعاف والإنقاذ صعوبات كبيرة في انتشال الضحايا، جراء العدد الكبير الذي سقط خلال الغارة، واضطرت عربات الإسعاف لحمل أكثر من شخص ما بين شهيد وجريح خلال توجهها للمشفى.
وأحدثت المجزرة الدامية حالة من الهلع والخوف في صفوف المواطنين، خاصة القاطنين في مراكز الإيواء، وذلك بسب تكرار قوات الاحتلال مؤخرا عمليات الاستهداف المنطقة لهذه المراكز، موقعة مئات الضحايا.
وقالت هدى عبد الحي، النازحة في مخيم النصيرات الذي يؤوي مئات آلاف النازحين، إنها لم تعد تأمن على نفسها وعلى أسرتها دقيقة واحدة، وإنها مع ارتكاب قوات الاحتلال مجازر في مراكز الإيواء، يدب الخوف أكثر في قلبها.
وتوضح هذه السيدة وهي في منتصف الأربعينيات، أنها نزحت من مدينة غزة في الأسبوع الثالث للحرب هي وأسرتها، وتنقلت عدة مرات في مراكز الإيواء وخيام النازحين، وقالت “ما في ولا مكان آمن لا في الخيام ولا في المدارس ولا في البيوت”، وأضافت “كل الأماكن مستهدفة. (..) وإحنا بنعد أيام”، وكانت تشير إلى توقع جميع سكان غزة أن يقضوا في أي لحظة جراء الغارات.
هذا ويواجه نازحو الخيام أوضاعا صعبة، فعلاوة عن الاستهدافات المتكررة لهم، يعانون من قلة المواد الغذائية، وانتشار الأمراض.
Comments ( 0 )